هكذا يتصدى الشباب المغاربة لفيروس كورونا المستجد
ياسمين وباهي
عضوة في ديوان المغرب
٣٠ يونيو/حزيران ٢٠٢٠
منذ بدء انتشار فيروس كورونا في المغرب، تجند شباب المملكة لمواجهة الجائحة بكل بسالة، متسلحين بقدراتهم الإبداعية وروح المواطنة. هكذا استطاع بعض الشباب الوقوف في الخطوط الأمامية وإثبات دورهم المركزي في التصدي لفيروس كورونا المستجد.
فرغم خطورة الوضع الوبائي وازدياد أعداد المصابين بشكل مهول في شتى مدن المملكة، أصبحنا نرى الشباب المغربي يشمر على سواعده ويقود مبادرات ملهمة في شتى المجالات، فمنهم من يقوم بتصنيع الكمامات الواقية والمعقمات الطبية، ومنهم من يوزع السلال الغذائية على الفئات الأكثر هشاشة. بينما آخرون اختاروا جمع التبرعات والمساعدات المادية لدعم العائلات المعوزة والفئات المتضررة، في حين كثف أغلب الشباب من الحملات التوعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على الإجراءات الوقائية للتصدي لفيروس كورونا المستجد، وطرق انتشار هذا الأخير، وجوانب أخرى متنوعة.
منذ تسجيل أول حالة اصابة بفيروس كورونا المستجد بالمغرب في 2 مارس 2020، أطلقت جمعية شبابية تدعى “Madnes” مبادرة “Frigal”. تروم هذه المبادرة إنقاذ أرواح الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس: الأطباء والممرضين وكافة الكوادر الطبية التي أبانت عن عزيمة قوية في مواجهة جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19).
أنتج شباب Frigal ما يزيد عن 25.000 درع طبي. تبرعوا بجلها لكل من الكوادر الطبية المشتغلين في المستشفيات والسجون المحلية، ولضباط الشرطة وعمال النظافة. في نفس السياق قال عبد الصمد نويدرات، عضو رائد في هذه المبادرة، “شعرت منذ بداية هذا الوباء بأن مسؤوليتي كمتطوع شاب هي دعم الجهود الشجاعة التي يبذلها الأطباء في سبيل حماية الوطن والشعب”.
كما شارك شباب Madness في مبادرة أخرى ذات المنفعة العامة، تدعى “التضامن مع التعاونيات” (SAC)، والتي أطلقتها مؤسسة SMarT بالتعاون مع كل من مكتب تطوير التعاون (ODCO)، و Maroc Impact، وبتنسيق مع السلطات المحلية. تهدف هذه المبادرة إلى توزيع ما يعادل 4000 سلة تضامن على أكثر الفئات هشاشة في المغرب.
عبد الصمد النويدرات خلال تطوعه مع مبادرة SAC
هذه المبادرات لم تغفل عن أهمية توفر الفئات الهشة على وسائل التعقيم الكافية، لاحتواء انتشار عدوى فيروس كورونا. خدمة لهذا الهدف، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان عملية سلامة، بالتعاون مع شركائه من منظمات غير حكومية.
في هذا الإطار قام مجموعة من المتطوعين الشباب بتوزيع مواد التنظيف والتعقيم على فئات هشة متنوعة، حيث أعطت الأولوية في مرحلتها الأولى للنساء الحوامل والمهنيين الصحيين، ولا سيما المولدات، فيما شملت المراحل اللاحقة النساء ضحايا العنف والمهاجرين والسجناء وخاصة النساء الحوامل منهم، علاوة على الأشخاص المسنين وذلك في عدة مناطق في المغرب.
“لقد تعلمت الكثير من خلال مشاركتي كمتطوعة في عملية سلامة، فقد تمكنت من مصادفة أشخاص بسطاء في أمس الحاجة لمساعدتنا، وغمرني شعور من السعادة والرضى عندما أحسست أنني ساهمت ولو بشكل بسيط في نشر الوعي. تمكنت كذلك من اكتشاف التأثير الإيجابي الذي نستطيع كشباب خلقه، حتى في أحلك وأصعب الأوقات كهذه، من خلال العمل التطوعي الهادف.”، تؤكد يسرى المساقي، 24 سنة، عضو في Y-PEER PETRI المغرب.
وايبير المغرب هي واحدة من المنظمات غير الحكومية المشاركة في عملية سلامة. وهي منظمة تعمل على زيادة وعي الشباب بمجالات متنوعة، أبرزها الصحة الإنجابية والجنسية من خلال تثقيف الأقران.
وللتصدي لانتشار فيروس كورونا المستجد أطلق شباب وايبير المغرب حملة بعنوان “Saviez-Vous” عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الوطنية، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان. تهدف هذه المبادرة الشبابية الى توعية المجتمع حول طرق الوقاية وتجنب الاصابة بالفيروس، إضافة إلى تصحيح مجموعة من المفاهيم الخاطئة والإشاعات المنتشرة حول الموضوع، وذلك من خلال إنتاج أزيد من 60 رسما بيانيا توعويا، وما يفوق ستة مقاطع فيديو متحركة.
“في حوزتنا اليوم أدوات فعالة للغاية، هي وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمكننا من الوصول إلى شرائح متنوعة من المجتمع ومخاطبتهم ونشر رسائل توعوية على نطاق واسع. الأمر الذي يمكننا من التأثير في الشباب وتغيير سلوكياتهم ونظرتهم تجاه طرق التصدي لفيروس كورونا. خاصة أن هذه الفئة التي يفترض بها أن تقود التغيير الإيجابي وتصوغ حلولا فعالة لمواجهة هذه الجائحة، هي للأسف الأكثر إصابة بالفيروس كذلك.” صرح رئيس وايبير المغرب، زهير عدوي.
فئة الشباب لم تنجو بدورها من تبعات هذه الجائحة، فمنهم من يعاني من صعوبات جمة متعلقة بمتابعة الدراسة عن بعد، مما أدى الى انقطاع بعضهم عن الدراسة. وآخرون أصبحوا يعانون من شبح البطالة والفقر. في حين يقبع شباب القرى في حالة انقطاع تام عن العالم الخارجي والعالم الإلكتروني في آن واحد، بينما تأثر أغلب الشباب نفسيا ومعنويا جراء القيود التي فرضتها العزلة الصحية والأخبار المزعجة المصاحبة لها صباح مساء.
رغم كل هذه التحديات، أدرك مجموعة من الشباب المغاربة مسؤوليتهم ودورهم المهم في التصدي لجائحة أرهقت دول العالم أجمع، وهددت أنظمتها الطبية والاقتصادية والاجتماعية، غير معترفة لا بالحدود الجغرافية ولا بالديانات ولا بالعادات ولا بالقوة الاقتصادية والسياسية. لذلك ففيروس كورونا هو بمثابة امتحان للمجتمعات، يمكننا من تقييم مدى تمكنها من توظيف مواردها البشرية بشكل سليم، وتشجيع شبابها على الخلق والابتكار والتطوع والإبداع حتى في خضم اللحظات التاريخية الحاسمة.