asustakdum

أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث

يُعالج الكتاب إشكالية التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث تحديدًا، من منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف العشرين، وفي سَعي جدعان لتحليل أفكار هؤلاء المفكرين يعرض في الكتاب كثيرًا من النصوص المُفيدة المنتقاة لعلماء مسلمين، ومفكرين ومُنظّرين، يُتبعها جدعان بالتعليق تحليلًا ونقدًا أوتأييدًا. من النافع والمُفيد قراءة هذه النصوص

:عرض الملخص

  • في ُمقدمة الكتاب يُميّز جدعان بين «الإحيائيين» و«التقدميين»، من «مفكري الأسس»، والفرق الأساسي بين الفريقين في تص ّورهم للإسلام، فالإحيائيون، وفقًا لجدعان، شموليون دوغمائيون ويعتبرون بالنقل فوق العقل، ويتعاملون مع الإسلام على أنه نظام معرفي مغلٌق لا يتغيّر، على عكس التقدميين الذين يؤمنون بإسلام ُمنفتح على تغيّرات الواقع والزمان، وكذلك يُمارس الإحيائيون «قطيعة عملية»، اجتماعية وسياسية، مع المخالفين.
  • يبدأ الكتاب بالقناعة التالية: الإسلام هو الغاية والحالة الدينية النهائية التي على الإنسانية أن تسعى لها الى الأبد، وحقيقة أن الإسلام آخر الديانات ومحمد –صلى الله عليه وسلم- خاتم الرسل حقيقة تفتح الإسلام على المستقبل، فهو الحالة المثلى التي سيظل الإنسان يسعى لها، وبقدر ما يتقدّم الإسلام في التاريخ بقدر ما يعودُ الى الوراء في اصوله وجذوره، فهو دين الإبراهيمية الحنفية، وجاء ليُعيد الناس إليها بعد أن انحرفوا عنها. إنه دين أصيل .
  • الفكر السلفي بُني أيديولوجيًا على نظرة تشاؤمية للتاريخ والمستقبل. ترتكز على حديثين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ُهما:
    • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم.
    • عن النبي َصلى اللهُ َعليه وسلم قال:(خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قال عمران –راوي الحديث-: فما أدري، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين أو ثلاثًا. رواه البخاري.

على هذين الحديثين، بُنيت نظرة السلفيين للتاريخ وحركته؛ البشرية تتراجع نحو الأسوأ كلما تقدم الزمن، ومن ثم لنعرف الأفضل في مختلف جوانب حياتنا علينا ان نعود للسلف الصالح الذين تحولوا لمركز لفهم الدين. واذا ساءت الدنيا، «فاللهُ المستعان»، ولا شيء آخر.

بالطبع لم يُرضي هذا النَفَس مفكري الإسلام كافة.

خاض المعتزلة والأشاعرة، بدرجات متفاوتة، معركةً حقيقية ضدَ الجبريّة والفكرة السلفيّة. ينقل جدعان في الكتاب نصا واضحا للجاحظ، وهو ُمعتزلي عبّاسي الهوى، يتحدث فيه بتشاؤم عميق عن الزمان الذي يعيش فيه، إلا أنه وبسبب معتقده المعتزلي، يخلُص في النهاية الى تكليف المسلمين بتغيير واجتثاث الواقع السيء الذي كان قائما، ويُحملهم مسؤوليته. وضع الجاحظ المسؤولية هنا على «الإنسان»، ومن هذه القاعدة تُبنى أسس أخلاقية كثيرة، أهمها فكرة الحساب والعقاب، فالحر عن أفعاله مسؤول عنها و ُمحاسب

عليها، وهذا الطرح يُضاد طرح حتمية فساد الزمان.

أما النموذج الأشعري فكان في أبي حامد الغزالي- عايش أبو حامد في عصره أزمات ضربت العالم الإسلامي كالحملات الصليبية وغيرها، دفع بفكرة الخلاص الذاتي؛ أن يعود الإنسان إلى نفسه أولا وقبل أي شيء ليُصلحها ويهذبها.

وطور فكرة «المصلح القرني»، بانيًا فكرته على حديث «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، حديث صحيح رواه أبو داود وصححه السخاوي. المصلح القرني نظرية تقوم على أن رجلا مسلما على رأس كل قرن تصلح الأمة وأحوالها

على يده، (او قد تكون مجموعة من الناس لا شخصا واحدًا). وبهذه النظرية يفك التشاؤم المغلق تجاه المستقبل.

إطلاقية النص القرآني عند نزوله لا تعني بالضرورة اتفاقنا في فهمنا له، واختلافنا في فهمه لا يعني خروجنا عن ما يحتمله النص من معنى.

يتحدث جدعان عن 5 أصول في الوعي الإسلامي، تشكلت عن الوحي عبر التاريخ الإسلامي:

  • علم الكلام: العقائد
  • الفقه: سعي لإنزال النص المطلق على أرض الواقع عمليًا. أكثر مرونة وعملية والفقيه ابن المجتمع ليفهم كيف يمكن أن ينزل النص على الناس والواقع
  • الفلاسفة: يعقلنون الأمور ويضعون العقل في قلب أفكارهم، وينظرون للأمور بزاوية ونَفَس مختلف عن نفس المتكلمين.
  • المحدثون: المهتمون بعلم الحديث، وبعلم الرجال
  • الصوفيّة (أو الروحانية): السعي للخلاص الشخصي والتجربة التطهريّة.

 هذه الأصول في الوعي الإسلامي ضرورية في تنوعها، وهي موجودة في الواقع فعلا، والتنوع مشروع لاختلاف نفوس الخلق وطبائعهم

يرى جدعان أن وعيًا جديدا تشّكل بقيادة الماوردي، واعتبره قد وصل إلى نضج يجمع توازنًا بين الدين والدنيا.

 تحدثنا عن تيار الوعي الذي يعتبر التاريخ متجها نحو الأسوأ، وان الشر يسكن المستقبل. في هذا الفصل نعرض لتيار آخر، وهو تيار يعتقد فساد الدنيا وضرورة تركها، والفائز والمفلح في الدنيا هو الذي يتركها.

هذا التركيز المكثّف على معاني الزهد والتقشف و«التَرك»، ترك الدنيا ومتاعها، وأنها بلا جدوى، تركيز يؤدي الى تخدير الناس عن السعي وعن التدافع، والتدافع لا يمكن إلا بامتلاك عناصر القوة التي هي من عناصر الدنيا و«لوثتها».

حتى الإمام الماوردي، بكل توازنه، لم يسلم من نزعة التخلّي والترك، وفي حديثه – وغيره كثير من علماء المسلمين- رأى الأعمال المهنيّة والحرفيّة والتقنيّة وضيعة، لأنها انشغال بأمور الدنيا، وأولى العلوم وأرقاها معرفة الكتاب والسنة، ومعارف الشريعة.

  • الجوهر الأساسي في أفكار الماوردي المعروضة هو أن صلاح الدنيا بصلاح الآخرة، ولا يصلح دين المرئ دون صلاح دنياه. هذه نظرية مختلفة عن نظرية التَرك.
  • الماوردي اعتقد عدم صلاح الدين ان لم تكن حياة الناس طيبة وكريمة ليتفرغوا للإيمان المستقر.

هنا ترد ملاحظةٌ هامة جدا؛ ليس على «الفرد» لوحده أن يتجه نحو الدنيا وينكب عليها، لكن على الأمة ككل وكجسد عام أن تتجه نحوها، وأن تورث من جيل لآخر أدوات القوة والتأثير لتحقيق التدافع.

  • أما الغزالي رحمه الله فهو من مدرسة أخرى، اخذ التصوف ووضعه في سياق الإحياء والتجديد، ورفعه من سياق الفردانية الى مشروع أوسع. ولكنه عزز في نفس الوقت فكرة الخلاص الذاتي.

تبنّت الأمة كثيرا من أفكار الغزالي وأخذت تنهل من الوعي الصوفي، وضعفت لوقت طويل الاتجاهات الأخرى أمام اتجاه التصوف، ولهذا أسباب عدة، فقد عاش الإمام الغزالي ونظر لأفكاره في فترة عصيبة، بدأت فيها الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، في المشرق وفي الأندلس. وضرب قطبا العالم الإسلامي ومعاقل الفكر والدين والدنيا عند المسلمين.

وما أن تحررت الأمة من الحملات الصليبية وبقاياها، دخل المغول عليها واحتلّوا عاصمة الخلافة؛ بغداد. وقبلها كثير من عواصم الإسلام في خاراسان، وتبع ذلك اجتياح تيمورلنك للعالم الإسلامي وإحراقه لدمشق. في قرنين اثنين فقط، واجهت منطقة الشرق آسيا بشقيها المغولي والتيموري، وواجهنا أوروبا، خسرنا عواصمنا الكبرى، ولأول مرة خسرت الأمة رمزية الإجماع السياسي؛ الخليفة.

بعد كل هذه الأحداث المربكة واهتزاز المخيال العام والوعي الجمعي، إلى أين سيتجه الناس؟ إلى التصوف، لأنه ينقذك شخصيًا، ويثبّت إيمانك ويجعلك قادرا على مواجهة الضغط العالي الذي تواجهه. نعم، لقد حفظ التصوف حالة من اليقين عند المسلمين بعد فترة إنهاك واستهلاك للأمة.

  • ثم جاءت قفزة للعقل الإسلامي بقدوم ابن خلدون رحمه الله، ولد واقفًا على حالة التفكك والدمار وعلى الأنقاض، وعلى عكس المتوقع، لم يكن متشائما، بل بدأ بعقلنة الحالة وفسر كيف لأمة أن تنهض وأخرى أن تخبو، وبد ًلا من التفسير القَدري غير المفهوم قدم أسبابا لضعف الأمم أو نموها، وهذه الأسباب مفهومة، أي واقعية لا غيبيّة.
  • برأي جدعان المقدمة الخلدونية أعملت ثورةً في العقل الإسلامي، والمهم في عقل ابن خلدون أنه لم يستسلم لتق ّدم الدهر نحو الأسوأ، وإنما ف ّكر كيف يمكن أن نغيّر الاتجاه.
  • لم نستدعي أسماء هؤلاء الأئمة والمفكرين الكلاسيكيين أو التراثيين؟ لأن الفكر الإسلامي المعاصر والحديث، أخذ منهم الكثير وبنى عليهم. فأدب الدنيا والدين انتقل من الماوردي إلى محمد عبده ثم مّرر إلى الإخوان المسلمين فكرة الموازنة بين الدنيا والآخرة. وفكرة ابن خلدون عن عقلانية التاريخ وإمكانية فهمه وتوجيهه. كلاهما أسسا للوعي الإسلامي الحديث، هذه هي الجذور.
  • لكن ما الذي يصنع الوعي؟ الواقع؟ فعل الواقع في أنفسنا يصنع طريقة وعينا للنص، أم فعل النص في انفسنا هو الذي يصنع واقعنا؟ مثلا: « لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش». كان هذا النص محفزا للعمل، فحاول معاوية تطبيقه ولم يفلح، وحاول بعده كثر وفشلوا حتى جاء محمد الفاتح ففتحها مدفوعا بالنص، هنا، صار النص ألة تحريك وتفعيل. النص كان حاضرا في وعي الفاتح، والواقع بموازين قواه حدد إمكانية تطبيق النص من عدمه.
  • تيارات الوعي الخمسة تعلو وتسيطر على الوعي الإسلامي في لحظة ما وفقًا لحاجات الأمة في حينه وما تريده.

يبدو أننا في حاجة لابن خلدون وماوردي جديدين!

التشيع الصفوي كان يشكل قوة كبيرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر في موازاة الدولة العثمانية، في ذات الوقت الذي كانت التغييرات الكبيرة تحصل في اوروبا وبشكل خاص حرب الثلاثين عام (١٦١٨-١٦٤٨) والتي انتهت باتفاقية ويستفيليا التي شكلت الأسس السياسية والمفاهيم العامة المرتبطة بمفهوم الدولة الحديثة.

سأتكلم عن الفئة التي قادت الحركة الفكرية الإصلاحية في أواخر الدولة العثمانية. في الفترة التي لحقت ذلك، كان هناك ادراك ضمن الدولة العثمانية للتقدم التقاني والمؤسساتي الغربي، لم يكن ما حصل انحطاطا عثمانيًا وإنما تسارعا شديدا للنفوذ الأوروبي. لذلك بدأ إرسال البعثات لفهم هذه التغيرات والمساهمة بإعادة ضخها في الدولة العثمانية، بشكل أساسي كل ما هو مبني على المعارف والعلوم الغربية الحديثة. في ذات الوقت كان هناك مقاومة للتغيير إلى حد كبير من المؤسسة العسكرية التقليدية في الجيش العثماني، الإنكشاريّون، الذين أبعدوا عن دائرة صنع القرار وأفنوا لاحقًا. قاد عملية التحديث هذه في الدولة العثمانية رجالات شابة تحت التنظيمات العثمانية التي سعت إلى التغيير والتحديث بمفهمومه الغربي، ومنهم رشيد باشا مثالاً (السفير العثماني في لندن).

  • إذا كان لعملية التحديث اسم آخر فهو المركزة.

سيطرة الدولة وسلطاتها في المجتمع الاسلامي كانت محدودة، فالدولة لم تكن مسؤولة عن التشريع ولا تتحكم في تفاصيل الناس وحياتهم اليومية، كالزواج والبيع والعلاقات وما إلى ذلك. كان كل ذلك وظيفة الفقهاء والقضاة، ومرجعية كل إنسان مذهبه. كان المجتمع مدركا لفكرة أن السلطة العليا هي سلطة الله سبحانه وتعالى. وأن العلماء كانوا معلمين، فكان تفريق المهام في منظومة العلماء واضحا. وكان الفهم حينها أن الشريعة سابقة على الدولة! أما في المجتمع الحديث الدولة هي السابقة على الشريعة والقانون) وأحيانًا يقول البعض أن الدولة سابقةٌ حتى على الأمة

  • في القرن التاسع عشر بدأت الدولة بالبحث عن مصادر دخل جديدة لتعويض النفقات العالية في عملية التحديث، بدأت المكننة2 التي أتت مع الثورة الصناعية من التمكين الكبير للغرب في السوق، واحدث هذا خللا في اقتصاد الدولة العثمانية، وخاصة المهن الحرفية، (بسبب الكلفة المنخفضة للمنتجات الأوروبية التي تنتج في المصانع بد ًلا من العمل اليدوي). لذلك بدأت الدولة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بوضع يدها على أراضي الأوقاف وخصصت أجزاء منها (أراضي الوقف كانت تشكل جزءا كبير من الأرض الموجودة – مثلا ٤٠٪ من الأراضي

في دمشق كانت وقفًا).

  • ضمن توجه الإصلاحيين العثمانيين: كانت فكرة تحديث المعارف لمواكبة الغرب عمو ًما وانتشار «العلم» فيه. ولتطبيق ذلك تم تبني المنظومة التعليمية الحديثة، المدارس. وبدأ تأسيسها بمراحلها المختلفة، الابتدائية والثانوية والعليا. وغيرها من أشكال الأنظمة التعليمية المعتمدة في الغرب.

في الوقت ذاته تغيّرت البنية الاجتماعية الطبقية بشكل تدريجي وارتبط هذا التغيّر الاجتماعي بشكل كبير بالتعليم، وتراجع دور العلماء ومكانتهم في المجتمع لحساب «الخبراء»، المؤ ّهلين، و«المتعلمين» على النمط الحديث.

كان بعض العثمانيون الجدد، (كمدحت باشا وابراهيم باشا) يرون ضرورة الإصلاح. ويعملون على إعادة النظر في الإشكالات الكبيرة كفكرة البيعة والدستور والعلاقة بينهما، وبدأوا يتلمسون مشاكل حقيقية في العقد الاجتماعي القديم، كما بحثوا أيضاً العلاقة بين الإجماع وفكرة الأغلبية. شابت التوتر علاقة «العثمانيين الجدد» بالسلطان عبد الحميد، وعاش معظمهم في المنفى، ولكنهم عادوا من المنفى بعد الاتفاق مع السلطان عبد الحميد على العديد من الإصلاحات والحل بالنسبة لهم يكمن إلى درجة كبيرة في العودة إلى دستور ١٨٧٦ مع انتخابات (كان السلطان عبد الحميد قد أوقف العمل به)، ولكن ما لبثت أن عادت الامور للتأزم مرة أخرى بسبب الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا.

  • اعتبر العثمانيين الجدد أن العودة إلى الشريعة مقاومة لظلم الدولة المركزية الطاغي، وتعزي ٌز للمجتمع في وجه الدولة، وحم َل العثمانيّون الجدد جذو َر الانبعاث للإسلام السياسي، وكانت هذه الجذور في مقاومة الاستبداد وإعلاء قيم العدالة. وفكرة العودة للشريعة والنص كانت تعني العدل والمساواة والتجديد وما إلى ذلك .

هؤلاء العثمان ّيون الجدد كانوا أول من وضعوا الشريعة، أي تحدثوا عنها كموضوع منفصل، وذلك في بحثهم عن إطار إسلامي للحلول الغربية لعلاقة الأمة بالدولة. وارتأوا أهمية الدستور والعقد الاجتماعي الذي يمكن أن ينظم العلاقة بين الطرفين. هذا الجدل الذي بدأوه انتشر في فضاء الدولة العثمانية، ومن كبار الذين لعبوا دوًرا في هذا الجدل، جمال الدين الخاطبي، طاهر الجزائري، محمد عبده، حسن خان في الهند وغيرهم.

  • أنا أرى أنه لم يكن هنالك تيار واحد يجمع كل هذه الأسماء، لكن جميعهم كان لهم توجه سلفي، أو رابط سلفي إذا صح القول، جذور سلفية. وأغلبهم من خلفية اجتماعية متوسطة، وحملوا جميعا هما لحل هذا الإشكال. على كل، السلفية تيار كبير يضم تعبيرات متعددة.
  • كانت أدواتهم الأساسية هي: التوحيد (مواجهة سلطة الدولة النافذة)، والعودة إلى النص (بفتح باب الاجتهاد) والعقل (كوديعة من الله تمكن الإنسان من التمييز بين الصحيح والخاطئ، وتجعله مسؤولا عن قراراته). هذه الأعمدة الأساسية التي ظهرت في هذه المرحلة من ستينات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

أهمية العثمانيين الجدد كانت في أنهم أول من وفّق بين التيار التحديثي الغربي (الذي حمل معه قيام الدولة القوميّة الحديثة) وبين الموروث الإسلامي، ولو أن أخطاءهم ومشاكلهم كثيرة. وعمو ًما، لم أجد في نقدهم صرامة وحدة ضد البعد الإمبريالي الحديث، في وقتهم كانت هناك ثقة في النفس إلى حد بعيد. احدى الموضوعات التي غذت خطابهم النقدي الدولة لم تعد قادرة على حماية بلاد المسلمين.

  • فكرة العروبة ولدت في أحضان الإصلاحيين حينها، وبدأ السعي لإعادة الاعتبار للعرب في المجال الإسلامي. بعد ذلك تشعّب التيار الإصلاحي وكثرت مسالكه واتجاهاته الفكرية.
  • سؤال خلدون: ما مدى الاتصال (التتابع) بين الإصلاحيين والتنفيذيين؟
  • الجواب: لا يوجد قطيعة في الحقيقة، وإنما كان هناك إصلاحيون بنزعة قومية أكثر من اللازم وإسلاميون بنزعة إسلامية أكثر من اللازم، وهم الآن َمن يسمون بـ«الإسلام السياسي».

في المنطقة العربية صار عند (العثمانيين الجدد) اتجاه نحو العروبة، ولهذا التيّار أثر واضح على حسن البنّا. شع َر الإسلام ّيون باستحالة إعادة بناء الإجماع بين الفكر والتيارات الإسلامية وغير الإسلامية، فهل ستكون حروبًا بالإجبار؟ أم سيتكون العقد تدريجيًا بشكل سلمي؟ لا أعرف. – رأي خلدون أن هنالك قطيعة، واضحة، حتى في حالة إخوان ما بعد حسن البنّا.

  • سؤال عن وطنيّة محمد عبد ونظرية فكرة وطنية الرجل ونظرية المستبد العابد.
  • الجواب: اقرأ رواية رشيد رضا عن وفاة محمد عبده وستبكي! وستحل إشكالية إسلام عبده ووطنيته.

ماذا يعني مصطلح علم الكلام لك؟ كيف تفهم «التوحيد» في حياتك اليومية؟ هل تشعر أنه ينبغي عليك أن تفهم المزيد أم أن حياتك كمسلم لا تستدعي ضرورة لفهمها؟ دلالات التوحيد ومفاهيم العقيدة وكيف تعامل المصلحون في القرن الأخير.

عرض التلخيص

  • مباحث علم الكلام خمسة:
    • الأول: علم/فقه التوحيد الصفات والأسماء.
    • الثاني: المتعلق بالفعل الإنساني وقضية العدل.
    • الثالثة: النبوة والوحي.
    • رابعاً: المعاد والحياة بعد الموت
    • خامساً: الإمامة.
  • علم الكلام يختص بالمنطق وهو قدرة الإنسان بأن يضع معتقداته بالله واليوم الآخر والرسالات والعلاقة ما بين الفعل الإنساني والفعل الإلهي ضمن إطار منطقي واضح معبر وبليغ. الإشكالية الأساسية التي يطرحها الكاتب أن مصطلحات الكلام أصبحت جافة وغير ُمتصلة أو مرتبطة بحياة المسلم العادي اليوم، ما يعني أن قدرة المسلم على الوصول لهذا العلم وفهمه صارت ُمقيّدة. لع َّل التجريد العالي الذي يتصف به العلم أبعده عن عامة الناس، وحصره في طبقة معينة من المهتمين أو المختصين، وبالطبع سبب هذا انفصال العلم عن الحياة اليومية للناس. ولربما دف هذا الانفصال الإمام الغزالي نحو التصوف ليُعيد للدين بعدا فُقد مع دخول العلوم اليونانية على العالم الإسلامي. تفاعل الناس مع الإيمان والإسلام، وتجلياتهم، قلما ارتبطت بالعقل، إذ ترتبط غالبًا بالوجدان والشعور –الذي يهتز ويؤثر في الإنسان-، لا المنطق والعقل. هذا الإشكال الأول.

  • أما الإشكال الثاني فهو الانقطاع الكبير بعلم الكلام والإنتاج المعرفي منذ القرن الرابع/ الخامس الهجري، منذ دخول النصوص والأفكار اليونانية للفضاء الإسلامي من خلال حركة الترجمة.

  • معركة الفلسفة اليونانية معركة ولَّت ومضت، ومنذ قرنين دخل العالم الإسلامي تحديًا جديدا هو الحداثة بكل ما جلبت معها من تغيرات، ومحمد إقبال كان أول من أدرك أن الحداثة تُلزم بتجديد وإصلاح مفاهيم مركزيّة عندنا.

  • وفي المشرق في مصر، كثير من المبتعثين –في فترة محمد علي- لم يرجعوا من فرنسا حاملين أفكارا حول التكنولوجيا والتصنيع، بل حملوا معهم تساؤلات حول الحداثة والدين والمجتمع.

  • محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أثّر تأثيرا استثنائيا، انطلق في فترة ما قبل «غزو الحداثة»، في شبه الجزيرة العربية 1703-1790، وركز على محاربة البدع التي انتشرت في شبه الجزيرة من دعاء للأضرحة والصالحين وبعض الخرافات. هدفه الرئيسي «تحرير الإنسان من كل ما يقيّد عقله ونقاء إيمانه»، وأفكاره الأساسية تلخصت فيما يلي:

  • لا يجوز للمسلم أن يعبد غير الله تعالى، لأن النفع والضر منه وحده.
  • لا يجوز أن يدعو غير الله لا شرا ولا خيرا
  • لا تجوز زيارة القبور للتبرك.

ليس الإشكال في أفكار ابن عبد الوهاب الأساسية، (مع الاختلاف حول شدة وحدة الطرح لديه)، كل هذا كان ضروريًا في تلك الفترة لإعادة الأمور إلى نصابها في شبه الجزيرة، ولكن الإشكال في تحول أفكار ابن عبد الوهاب من «تيار إصلاحي» إلى «تيار سياسي» تحكمي وتسلطي، وبدلا من إصلاح النفوس والعقول تول إلى ارتباط سياسي يفرض هذه الأفكار والأنماط السلوكية المحددة على كل المجتمع. وبذلك تحولت دعوة ابن عبد الوهاب إلى أيديولوجيا دينية متسقة مع أيديولوجيا سياسية وأحكمت السيطرة على المجتمع. على كل حال، المجتمعات البشرية لا تتصالح مع الإكراه، هذه سنة من السنن، ما يجيء بالإكراه والإجبار لا يستمر ولا يصلح، والفكرة التي لا تدخل المجتمع َسلسةً بالإقناع لا ثبات لها ولا بقاء. وهذا المزيج الأيديولوجي صار ركيزة الدولة السعودية الأولى وبعدها الثانية. لعل بعضا من أفكاره ناسبت الظروف الجغرافية والسياسية لذلك الوقت، ولكنها غير قادرة أبدا على أن تجيب الأسئلة المطروحة اليوم في جوانب مختلفة، لم يُفكر فيها ابن عبد الوهاب أبدا.

  • ثم لدينا المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني رحمه الله، الذي رأى فسادا في أفكار داروين وفرويد، ومن ثم «الدهريين» أو «الطبيعيين Naturlaist»، ورأى أن فساد هذه الأفكار لا يمكن أن يصلحه إلا الدين التحرري، الذي يمكن أن يحرر عقل الإنسان.
  • ولحق بالأفغاني محمد عبده، صاحب «رسالة التوحيد»، وكانت مبادرته أول مبادرة لاستخدام مبادئ علم الكلام في مواجهة العلم الحديث فلسفيًا ووجدانيًا، وأخرج المصطلحات من تعقيداتها ووضعها بين يدي الإنسان العادي ليحفّز الناس على النهوض بها. دافع عبده عن الدين وعن الإسلام بشكل خاص، وتصدى لفكرة هامة طرحها المفكرون الغربيون تقول بأن الإسلام يحمل في لبّه معوقات التقدم وأسباب الانحطاط، بسبب عقيدته التي تقيّد الإنسان بالقدر وتحصر القدرة والمسؤولية في الإله المجرد المنزه. كرّد فعل طبيعي يطور الإنسان أسئلته ومفاهيمه وفقًا للواقع الذي يعيشه وتعيشه البشرية من حوله، لكن استجابتنا لم تكن طبيعية، فلم نطور اعتقادنا ولم تتغير أجوبتنا ولا أسئلتنا، ولذا ضرب التشويش والاضطراب مفاهيم مركزية في العقيدة لدى الكثير من الناس، بما في ذلك «الله» وفهم الإنسان لذاته.
  • بالطبع استشعر مصلحو ومفكرو الإسلام في مطلع القرن العشرين أن هنالك حاجة لتجديد الفهم الديني استجابةً لتغير الواقع الإنساني صناعيًا وتقنيًا، واستجابة للتغيرات الجذرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. اليوم تنمو وتزداد هذه التغيّرات بل وتتضاعف سريعًا، لدرجة أنها قد تحدث وتمر ويأتي جديد بعدها دون أن نشعر بذلك (كقفزات الذكاء الاصطناعي)، ومع كل هذا يتوجب علينا أن نقوم وننتج أفكارا تجاري هذا الواقع المتغير للحفاظ على منظومة الإسلام العقدية.
  • أخيراً، العلم طريق أكيد إلى الإيمان. الطرق إلى الله بعدد الأنفس وكل إنسان له طريق. الاعتقاد بالذات هو من ضروريات الإيمان – عقلانياً ومعرفياً، ولذلك نحتاج إلى وعي إيماني جديد يرافق حالة التطور المذهلة التي ستعيشها البشرية خلال العشرين سنة المقبلة، وذلك من الأولويات القصوى والضروريات الكبرى.. لأن الاعتقاد هو قمة الهرم المعرفي، وكل ما يأتي بعده هو أمور مبنية عليه.