الإرهاب والفساد يخلقان أزمة التعليم، وهل من منقذ؟
محمود النجار
عضو في الشبكة
١٩ أبريل/نيسان، ٢٠٢٠
عضو في الشبكة
١٩ أبريل/نيسان، ٢٠٢٠
لا تعجبوا من أجيالٍ بسيطي التفكير وضعيفي الثقافة في بلدٍ يفتقر أساساً لمبدأ احترام العلم وإعطاء حقوق لطالبيه ، أو الإكتراث قليلاً لما يملكون في أعماقهم من طاقات ومواهب تستنجد بمنحها فرصة لإطلاقها، فلا داعي للعجب ، إننا في العراق العظيم، في جامعاته الحكومية التي تموت تدريجياً وتموت معها أحلام الأجيال.
قصة البيئة الدراسية
سبب كتابتي لهذا الموضوع كان حدثاً أثارني بشدة في إحدى السنوات الدراسية في الجامعة ، عندما كنا نتناول المحاضرة من أحد أساتذتنا الأعزاء ونركز على ما يُلقننا إياه. فجأةً !!! .. وإذا بقطرات المطر تتساقط من السقف العلوي للقاعة وتُبلل أرضيتها المتسخة والمملؤة بالأوراق والمحارم الورقية وفضلات قلم الرصاص.
هنا ومن مصدر العلوم والثقافات والعمران الفكري ندرس في القاعة الدراسية وقطرات المطر تهطل بهداوة لتبلل ملابس احدى الطالبات، وتُفاجئ الأستاذ العائد الى بلده من بريطانيا لكي يهدي موطنه وشعبه العلم والأفكار التي حملها على عاتقه من هناك ليطبقها هنا، فيقوم بإيقاف المحاضرة مؤقتاً لدقائق قليلة وينظر إلى قطرات الماء فيهز برأسه بلطف بإستغراب، وهناك في (العالم الزائل) خارج الحرم الجامعي ، تُبنى العمارات والأسواق التجارية الكبيرة وتزداد أعمدتها وطوابقها بسرعة ملحوظة، حتى يصب التناقض الخطير في منبعٍ يؤدي الى هبوط العلم بجميع مستوياته وأنواعه ومخرجات طالبيه أيضاً .
لم أتطرق إلى إستمرارية مهزلة تعطل آلة عرض المادة المنهجية (الداتا شو) ، أما المقاعد المكسرة وغير الكافية التي تُجبر الطلاب الى الامتثال بالقيم الأخلاقية ، فيقومون بدورهم بتبادل أماكنهم ليجلسوا نظراً لعددهم الكبير جداً، وعدم وجود قاعات اضافية تضمهم لكي يتعلموا بطريقة حضارية ، فكيف سيكون مستوى الاستيعاب لديهم وعددهم يفوق ال 60 طالب في الصف الدراسي الواحد.
التعليم والأمية في الماضي
ينص الدستور العراقي المؤقت لعام 1970م أن الدولة تضمن حق التعليم المجاني في جميع المستويات الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي ولجميع المواطنين، والتعليم الابتدائي إلزامي ومحو الأمية الشامل هدف أساسي، وتعتبر الحكومة مسؤولة عن وضع السياسات التعليمية والإشراف عليها، وكذلك تمويل التعليم وتطوير وتنفيذ البرامج التعليمية.
يدار النظام التعليمي في العراق على مستوين الأولى من المرحلة الابتدائية إلى نهاية الثانوية يدار من قبل وزارة التربية، والجامعة والدراسات العليا يدار عن طريق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والكارثة أن التعليم يشهد تخلفاً غير مسبق حسب تقرير “اليونسكو UNSCO” الذي يعلن أن العراق في فترة ماقبل حرب الخليج الأولى عام 1991 ميلادية كان يمتلك نظاماً تعليمياً يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، وتقدر نسبة المسجلين في التعليم الإبتدائي بماتقارب الـ 100%، كذلك نسبة عالية للقادرين على القرءة، لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرضه العراق من حروب و حصار وإنعدام الأمن والإستقرار السياسي.
المناهج تتعرض لهجمة طائفية
الجدير بالذكر؛ أن الحكومة الحالية في العراق سجّلت أسوأ سلوك لها تجاه التعليم، فالسياسات الطائفية التي انتهجتها الحكومات السابقة والتي تلاعبت بمضامين تلك المناهج وأدمجت فيها معلومات ذات صبغة طائفية وسياسية، فالسنة يفرضون مواضيع خاصة بهم، ونفس الشيء بالنسبة للمكون الشيعي والكردي، وكل جهة تنشر أفكارها وتقصي الطرف الأخر.
العنف والإرهاب من أبرز أسباب التراجع
أصبحت المدارس خاوية بسبب الهجمات الطائفية والهجمات الإجرامية الأخرى بصورة متزايدة وصار الآباء قلقون على سلامة أبناءهم وبصفة خاصة البنات اللاتي يتعرضن إلى التحرشات الجنسية والخطف، ووفقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم فقد قتل أكثر من 300مدرس وجرح 1158آخرون في عام 2006م بينما أغلقت مدارس عديدة أبوابها نتيجة لأعمال العنف والتهديدات.
أعلنت محافظ ديالي أن نسبة المدارس المغلقة وصلت إلى 90% بسبب التهديدات والأعمال الإرهابية، ووصلت إلى مكاتب حقوق الإنسان معلومات عن نزعة للهجرة الجماعية في أوساط ذوي الكفاءات العراقيين من مناطق النزاع إلى أجزاء أكثر أمناً، كما سجلت وزارة التعليم العالي تقارير عن اغتيال 154أستاذاً جامعياً خلال الفترة من 2003 إلى 2006 .
كما شهدت بغداد أعلى معدل للاغتيالات بلغت حوالي 44% من إجمالي حوادث اغتيالات الأكاديميين في العراق بل ارتفعت نسبة اغتيال الطلاب إلى أكثر من 5% من إجمالي الاغتيالات، فقد تم تسجيل 400 حالة اغتيالي لأأكاديمين قتلوا والأخرين تسلموا رسائل تهديد تقض مضاجع الأساتذة والطلاب.
أما في عام 2017 أثناء عمليات تحرير الموصل من قبضة الدولة الإسلامية “داعش” فقد تعرضت 11 كلية في جامعة الموصل للقصف من قبل التحالف الدولي بحجية العمليات العسكرية إتباعاً لممارسة معركة الأرض المحروقة، وكذلك تعرض 300 مدرسة ابتدائية وثانوية للتفجير بسبب التحركات العسكرية من الفصائل العراقية المختلفة التي شاركت بعمليات التحرير.
تصنيف العراق عالمياً
من الخجل أن يفكر الزعماء والمسؤولون عن الملف الدراسي بهذه الطريقة البسيطة جداً، التي لا تُضفي إلا إلى نتيجة فوضوية تهدر الإمكانات والفرص المتاحة للتقدم والعمران الثقافي والعلمي، بالتالي تأخر حتماً هذا البلد أكثر فأكثر لنصل الى تصنيف الـ (151) الذي أقره “البنك الدولي” من بين إقتصاديات دول العالم الـ (189) من حيث ممارسة أنشطة الأعمال، علماً وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في وقت سابق تصنيف العراق بالمرتبة الـ (9) من بين الدول الاكثر امتلاكاً للموارد الطبيعية في العالم.
أخرج مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي في “دافوس”، أن العراق وخمس دول عربية أخرى من نطاق التقييم لهذا العام، كونها تفتقر لمعايير جودة التعليم التي تؤهلها للدخول فيه.
وأظهر تقرير خاص بعامي 2015-2016، يعلن فيه أن العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، بإعتبارها دول لا تتوفر فيها أبسط معايير الجودة في التعليم، ما يجعلها غير مؤهلة للدخول ضمن إطار التقييم الذي اشتمل على (140) دولة في عموم العالم.
ويأتي تقييم المؤشر لجودة التعليم وترتيب الدول فيه إستناداً إلى مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الإقتصادي العالمي، ويتم إحتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو (12) فئة أساسية، تضم المؤسسات، وبيئة الإقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والإبتكار، وهذه المجالات كلها متدهورة في العراق إلى حد فاق الوصف.
هذه أرقام خطيرة من حيث التناقض الذي يُمحورُ مدى امكانيات الدولة مقارنةً بما تنجزه و تعمل على تطويره، ويشير إلى مدى إهمال الحكومات العربية لملف التعليم الحساس الذي يحسم كفة تقدم الشعوب أو إنحدارها.
التدخل الفوري للحكومات
من الضروري جداً اعادة النظر بأوضاع الجامعات الحكومية والتركيز على توفير بيئة علمية منظمة، والأهم توعية الناس بأهمية العلم وكسب الثقافة بطريقة ممنهجة صحيحة، وتحرير عقولهم المنبهرة بهذا التطور الوقتي الحجري، ودفعهم لتجاوز الرضا بالمستوى المتدني من الطموح، وايصال رسالة مُلحة لتوحيد الجهود من قبل الجهات العليا التعليمية وتكريس نشاطاتها لخدمة هذا المجال، وإصلاح البيئة الداخلية التي تعتبر هي المحرك الديناميكي الذي يساهم بدرجة كبيرة في تطوير البلد ووضعه في تصنيف حضاري وتاريخي مرموق.
تبقى أزمة التعليم ملف هام يحتاج إلى الإصلاح في العراق وسط فوضى سياسية عارمة وفساد مستشري في دوائر الدولة، فضلاً عن هجرة العقول والعلماء والمدرسين بسبب عمليات ابتزاز وتهديد، وهذا نداء للمنظمات الأممية والدولية للتدخل الفوري بهدف إيجاد حلول منطقية ممنهجة لإنقاذ واقع التعليم في البلاد.