تاج الطبيعة
جلالة الفيروس التاجي
عايدة هادزيتش
منسقة ديوان البوسنة
١٦ أبريل/نيسان، ٢٠٢٠
جلالة الفيروس التاجي
منسقة ديوان البوسنة
١٦ أبريل/نيسان، ٢٠٢٠
يُشير مصطلح الفيروسات التاجية إلى مجموعة مترابطة من الفيروسات التي تسبب الأمراض للثدييات والطيور. تستمد هذه الفيروسات اسمها -كما يعلم الكثيرون بالفعل- من شكلها، حيث أنها تحتوي على أشواك أو مسامير كبيرة مميزة تشبه البتلات، وهذا يعطيها شكلاً يشبه التاج[i].
هذا الفيروس هو في الحقيقة رمز لتاج أمنا الأرض التي هزت العالم بأسره واستعادت قوتها. إلا أنه هناك العديد من نظريات المؤامرة تتعلق بأصل الفيروس؛ حيث يعتقد البعض أن الفيروس لم ينشأ من حيوان كما قيل في البداية، وإنما أنشأه البشر بشكل متعمد في المختبرات. ويُزعم أنها كانت محاولة متعمدة من قبل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة لإعاقة النمو الاقتصادي الصيني[ii]، بينما يحاول آخرون إثبات وجود علاقة بين ظهور الفيروس وإطلاق تقنية الجيل الخامس (5G) في مدينة ووهان، ويلقي البعض باللوم على مختبرات الفيروسات الموجودة في المدينة[iii].
هناك أيضاً تفسيرات دينية وروحية مستبصرة حول لغز ظهور هذا الفيروس. فقد تنبأ دين كونتز على ما يبدو بظهور الفيروس في كتابه “عيون الظلام”، بينما تشير جماعات دينية أخرى إلى دور السطات الروحية. لقد أغرقت هذه المنشورات والفيديوهات غير المرغوب فيها والتي تحتوي على مثل هذه التفسيرات أغرقت جميع مستخدمي شبكة الإنترنت، حيث أصبح الجميع “خبراء فيروسات” بين ليلة وضحاها بدون التحقق من صحة ما يتداولونه. هذا الأمر خطير للغاية، لأن المعلومات من هذا النوع يمكن أن تغذي الأزمات الاجتماعية مثل عمليات التخريب والحرائق التي قامت بها الحركات المناهضة لتقنية الجيل الخامس[iv].
بالإشارة إلى كل هذه التكهنات سنقوم فيما يلي بمراجعة للأدلة من أجل: أ) دحض مصادر التشكيك، ب) توضيح أن الفيروس ليس من صنع البشر، ج) معرفة ما يجب أن تتعلمه الإنسانية من هذا الفيروس.
أولاً: فيما يلي رد على المتوجسين الذين يزعمون أن الفيروس من صنع البشر.
يُزعم أن الفيروس يتم إنشاؤه بشكل مصطنع في المختبرات كسلاح بيولوجي. صحيح أن لدينا معرفة محدودة حول الفيروس، إلا أن التحليل الجيني له يدحض هذه الادعاءات. إذا كان الفيروس سلاحاً بيولوجياً من صنع الإنسان فستحقق طفراته ارتباطات أكثر نجاحاً مع الخلايا البشرية، وهي ما يمكن التنبؤ بها والتحكم فيها عبر المحاكاة بالكمبيوتر، لكن الواقع يختلف عن ذلك[1].[v]
هناك اعتقاد شائع آخر وهو أن الفيروسات يتم إنشاؤها من قبل شركات أدوية كبيرة تسعى للحصول على مكاسب مالية ضخمة من خلال بيع اللقاحات والأدوية[vi]. غالباً ما تؤدي مثل هذه المعتقدات إلى انتشار معارضة الحصول على اللقاحات، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات انتشار الأمراض المعدية[2].
هناك العديد من علماء الأوبئة من مختلف أنحاء العالم يرفضون بشدة احتمالية نشوء الفيروس في مختبر:
حتى ما ذكره كونتز في كتابه يبدو أنه قد اقتُطع من سياقه من قبل أشخاص لم يقرؤوا الكتاب على الأرجح قبل مشاركة ما تنبأ به[viii]. كما أن التكهنات حول وجود علاقة بين تقنية الجيل الخامس والفيروس تفتقر إلى أي دليل علمي. كذلك تمت الإشارة إلى وجود بعض الروابط بين أحداث معينة وتفشي الفيروسات، لكن بدون أدلة علمية قوية[3].
هناك الكثير من الأمور غير المعروفة حول الفيروس. وفي مثل هذه الأحداث يميل البشر المنتمون لمختلف الأعراق والأديان إلى السعي وراء الروحانية أو الغموض للتقليل من انزعاجهم. وقد غمرت بعض الجماعات الإسلامية الإنترنت بمعلومات تفيد بأن الشيخ الراحل ناظم حقاني من قبرص قد توقع بالفيروس بالفعل في عام 2011.
الفيديو الكامل متاح على يوتيوب. يقول الشيخ بدءاً من الثانية 35:37:
ويضيف أن الفيروس سينتشر في دول معينة فقط، ومنها تركيا واليمن ومصر والعراق ودمشق ودول عربية أخرى، وسيبقى في العالم الإسلامي فقط.
لقد انتشر فيروس كورونا متجاوزاً هذه الدول ذات الأغلبية المسلمة، مما يأخذنا إلى استنتاج مفاده أن محاضرته قد فُسرت تفسيراً خاطئاً. هناك حاجة للتحقق من صحة أقوال الرموز الدينية بدون أي نية لتشويه سمعتهم، وكذلك التأكد من سياق أقوالهم ومن أننا لا نسيء استخدام تعاليمهم ونضلل الناس.
ومع ذلك يمكن أن يُنسب الفضل إلى شهادة الشيخ حقاني في الهندسة الكيميائية ومعرفته العلمية وأخذ نصيحته وربطها بالتحذيرات السابقة لعلماء الأوبئة، والتي تتوافق بشكل كبير مع المصادر الدينية.
لقد تجاوزت سلوكيات البشر الحدود بالفعل: حيث أدى الاستهلاك غير الرشيد وتدمير البيئة واستخدام الأسلحة غير المشروعة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغير ذلك من الأفعال إلى الإضرار بالبيئة بشتى الطرق. في هذا السياق يأمر القرآن البشر بالاعتدال في استهلاك منح الطبيعة:
كما يؤكد القرآن حقيقة أخرى، وهي أن كل ما في الأرض يسبح ربه، مما يشير إلى أن الطبيعة تتحدث بلغتها الخاصة[x]. وقد أثبت العلم أن النظام البيئي بأكمله يتواصل مع بعضه البعض؛ فالأشجار تتواصل مع بعضها من خلال تردداتها الخاصة عبر الأوراق والجزور[xi].كما تمتلك الحيوانات وسائل للتواصل والتعايش المشترك[xii].
في الواقع لقد انتهك الإنسان النظام البيئي ودمره، وأفسد أماكن عيش الحيوانات وأجبرها على الخروج من الغابات. إنها لصدفة مثيرة للاهتمام أن يهاجم الفيروس الرئتين ويسبب مشاكل في التنفس لدى البشر الذين يتنفسون الأكسجين الذي يأتي من الأشجار التي دمروها على مدار القرن الماضي وتسببوا بذلك في تسريع وتيرة التغير المناخي.
لقد خلقا الله نحن البشر “خلفاءً له على الأرض”، إلا أننا أخفقنا في ذلك. ورداً على ذلك وجدت أمنا الأرض طريقتها لتحذيرنا وتدخلت من خلال إرسال فيروس أظهر للبشر قدرتهم المحدودة. إن هذا الفيروس يستحق اسم “الفيروس التاجي (كورونا)”، وهو رسول من الخالق ليرينا من يحكم العالم.
ومع ذلك لم تقس الطبيعة علينا بشكل كبير، فهذا الفيروس ليس مميتاً كأمراض الأخرى، مما يمنح البشرية وقتاً كافياً للتفكير في سلوكها المستقبلي والتصالح مع الكوكب. كما أن هذا الفيروس هو في الحقيقة رحمة من الطبيعة لمنعنا من تدمير وطننا.
حقاً إن هذا الفيروس مثال على كمال الطبيعة!
الهوامش:
[1] لا يعني هذا أنه لا يمكن هروب الفيروسات من المختبرات. لكن هذا السيناريو مرفوض في حالة فيروس كوفيد-19.
[2] من المضر اتباع النصائح التي يقدمها الأشخاص الذين ينشرون الأخبار المعارضة لتعاطي اللقاحات بدون وجود أدلة واضحة. عادة ما يأتي الضرر الذي تسببه اللقاحات من مصادر أخرى مثل اللقاحات غير المختبرة وما شابهها.
[3] هناك العديد من الروابط لمصادر ترفض نظريات المؤامرة المرتبطة بتقنية الجيل الخامس، لكن لا يوجد دليل علمي يثبت هذه الفرضية.
[i] Almeida JD, Berry DM, Cunningham CH, Hamre D, Hofstad MS, Mallucci L, McIntosh K, Tyrrell DA (November 1968). “Virology: Coronaviruses”. Nature. 220 (5168): 650. doi:10.1038/220650b0
[ii] see Memri (March 18, 2020) Conspiracy Theories In The Arab Media: The Coronavirus Is Part Of An American Plot To Ruin The Chinese Economy And Reprogram The Global Economy. Special Dispatch No. 8644. Retrieved April 15 2020 Link: https://www.memri.org/reports/conspiracy-theories-arab-media-coronavirus-part-american-plot-ruin-chinese-economy-and
[iii] Fildes N, Mark DS, Murphy H (April 16 2020) How a 5G coronavirus conspiracy spread across Europe. Financial Times. Retrieved April 16 2002. Link https://www.ft.com/content/1eeedb71-d9dc-4b13-9b45-fcb7898ae9e1
[iv] Child D. (April 13, 2020) Fighting fake news: The new front in the coronavirus battle. AlJazeera English. Retrieved April 15 2020. Link https://www.aljazeera.com/news/2020/04/fighting-fake-news-front-coronavirus-battle-200413164832300.html
[v] Alexander E. Gorbalenya, Susan C. Baker, at al. (February 2020) Severe acute respiratory syndrome-related coronavirus: The species and its viruses – a statement of the Coronavirus Study Group. Cold Spring Harbor Laboratory. BioRXIV. Retrieved April1 6, 2020. Link https://doi.org/10.1101/2020.02.07.937862
[vi] Gouri S (March 5. 2020) Why are there so many conspiracy theories around the coronavirus? Aljazeera English. Retrieved April 15, 2020. Link https://www.aljazeera.com/news/2020/03/conspiracy-theories-coronavirus-200303170729373.html
[vii] Aleksandra Dj. (April 10, 2020) Face TV. Retrieved April 16. Link https://www.youtube.com/watch?v=IaU0hgISapY
[viii] See Harmeet K. (March 13, 2020) No, Dean Koontz did not predict the coronavirus in a 1981 novel. CNN. Retrieved April 14, 2020. Link https://edition.cnn.com/2020/03/13/us/dean-koontz-novel-coronavirus-debunk-trnd/index.html
[ix] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 87
[x] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 44
[xi] Mark W (March 7, 2018) Trees Talk To Each Other! TED Talks. Retrieved April 15, 2020. Link https://www.youtube.com/watch?v=Un2yBgIAxYs&feature=youtu.be
[xii] Hilary T (September 5, 2003) Theorising Nature and Society in Sociology: The Invisibility of Animals. Wiley Online Library. Sociologia Ruralis Volume 43, Issue 3. Retrieved April 15, 2020. Link https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/1467-9523.00241